رشيد يحياوي: تضافر الجهود لجعل الثقافة من الأولويات

يزاوج الكاتب المغربي الدكتور رشيد يحياوي بين الدراسة الأكاديمية المتعلقة بالتراث، خاصة في مجال البلاغة والنقد القديم وبين النقد الأدبي المنصبّ على النصوص الشعرية الحديثة والمعاصرة. ولذلك، جمعت أبحاثه ودراساته بين هذه الحقول المعرفية مجتمعة تنظيراً ونقداً.
أصدر مجموعة كتب: «الشعرية العربية»، «مقدمات في نظرية الأنواع الأدبية»، «شعرية النوع الأدبي»، «الشعر العربي الحديث»، «الشعري والنثري»، «لغز النص»، «محمد السرغيني.. تحديث القصيدة المغربية» (بالاشتراك)، «السارد شاعرا: قراءة في أعمال أمين صالح»، «قصيدة النثر العربية أو خطاب الأرض المحروقة»، «أنواعية الشعر».
وبمناسبة فوزه بجائزة المغرب للكتاب عام 2015، في مجال الدراسات الأدبية واللغوية والفنية عن كتابه «التبالغ والتبالغية نحو نظرية تواصلية في التراث»، كان لنا مع الدكتور رشيد يحياوي الحوار التالي:

■ ماذا تمثل هذه الجائزة بالنسبة لك؟
□ جائزة المغرب للكتاب ذات قيمة رمزية كبرى عندي، لأنها تأتي بعد ربع قرن من بدئي النشر، علماً بأنني لم يسبق لي أن رشحتُ أي كتاب من كتبي السابقة لأي جائزة داخل المغرب أو خارجه. وبالنسبة لكتابي «التبالغ والتبالغية» فقد بذلت فيه جهودا مضاعفة، تواصلت لأكثر من خمس عشرة سنة، ما جعلني أرى أنه يتوفر على شروط تجعله يتبارى مع الكتب الأخرى المرشحة. فجائزة المغرب للكتاب نعتبرها في المغرب أهم الجوائز، لصرامة لجانها العلمية واحتكامها في اختياراتها لمعايير علمية مدققة. لذلك، فإنني أفخر بالحصول على هذه الجائزة ذات القيمة المعنوية الكبرى، خصوصا أنها أتتني من بلدي، وأعتبرها تكليفا ومسؤولية. كما أحيي بالمناسبة أعضاء اللجنة العلمية التي أجازت الكتاب لثقتها في المشروع الذي تضمنه مؤلَّفي.
■ ما هي القضية المركزية التي يقوم عليها كتابك الفائز بالجائزة؟
* الكتاب يقوم على قضية مركزية، سميتها بـ«المسألة التبالغية في التراث». وتقوم هذه المسألة على مقدمات وفرضيات، منها أن التبالغ ضرورة إنسانية واجتماعية ودينية. والمقصود بالتبالغ إشراك المتخاطبين في البلاغ والإبلاغ. فهو مرادف لما نقصده في الثقافة المعاصرة بالتواصل. غير أنني فضلتُ التبالغ لأنه من العائلة اللغوية نفسها لمصطلحات مثل بلاغة وتبليغ وإبلاغ وتبلّغ. فالتبالغ قصدت به صيغة المشاركة في الإبلاغ.
من هذا المنطلق، تولدت أسئلة سعيتُ للإجابة عليها في الكتاب حول أطراف التبالغ، وشروط تحققه، والوسائط التي يتحقق بها إن كانت لغوية أو غير لغوية. ومنها أسئلة حول التبالغية والمقصود بها علم التبالغ. وقد حاولت تتبع ذلك في علوم تراثية مثل النقد والبلاغة وأصول الفقه وعلم الكلام.
■ يلاحظ أنك في دراساتك وأبحاثك وكتاباتك النقدية تراوح بين الاهتمام بالتراث العربي القديم وبين النقد الحديث المنصب على النصوص الإبداعية خاصة في الشعر… لماذا هذه المراوحة؟ وأي جسر تطمح إلى بنائه بين كلا الجسرين؟
□ اهتمامي بالتراث يأتي في سياق أكاديمي صرف، وذلك من منطلق تخصصي في البلاغة والنقد القديم؛ إذ أعتبر أن البحث في التراث داخل السياق الأكاديمي ينطبع بشروط البحث العلمي، وهذا لا يمنع أن الدراسات التراثية خارج السياق الأكاديمي لها مصداقيتها أيضا متى تعززت بروح العلم أو برؤية مبدعة.
أما اهتمامي بالنقد المعاصر، خاصة نقد الشعر، فهو يزاوج بين الروح الإبداعية وموضوعية النقد. كما أن نقد الشعر الحديث قريب مني «عاطفياً»، لأن محاولاتي النقدية الأولى كانت حول نقد الشعر، فضلاً عن كوني أتوهم نفسي شاعراً، ولي ديوان واحد طالما ترددت في نشره مخافة أن يضعني بعض زملائي في ما هو أحلى بمرارته. الشاعر ناقد فاشل أو الناقد شاعر فاشل. وأتمنى أن أكون وقعت في ما هو أحلى، لكن من دون مرارة.
■ يلاحظ أن لديك موقفا نقديا صارما من المنجز الشعري المعاصر في كثير من تجلياته. هل معنى ذلك أن الشعرية صارت عملة نادرة في راهننا؟ وما أسباب ذلك؟
□ موقفي الصارم من المنجز الشعري المعاصر مبني على حبي للشعر، فهو صارم صرامة المحب الذي يغار على ما يحب إذا أحس أن خدوشا قد تلحقه، ثم أن الموقف ليس صارماً إذا قصدتَ بالصرامة التشدد، لأن أعدى ما يعاديه الشعر هو التشدد. الشعر كالغصن، إذا تشددت معه كسرته. وهناك من يعجبه لَيُّ الأغصان، وقد يصنع منها قوساً ونبلا يسكنه في قلب الشعر.
ربما تكون صرامتي منصبة ليس على الشعر في ذاته، ولكن على بعض المواقف من الشعر، وبالتحديد من بعض تجاربه، وهذا ما كنت أفردتُ له كتابا بعنوان «قصيدة النثر العربية أو خطاب الأرض المحروقة»، وأيضا كتابي الأخير «أنواعية الشعر». والشعرية ليست عملة نادرة في راهننا؛ النادر هو المؤشر الذي يمكن الاحتكام إليه في تبيّن قيمة تلك العملة.
■ حسناً، إلى أي حد يمكن الحديث عن سياسة ثقافية ما في المغرب؟ ما ملامحها؟
□ لا توجد سياسة ثقافية في المغرب، لكي توجد هذه السياسة يجب أن توجد مخططات تشتغل في أفق مدى قصير ومتوسط وبعيد. وهذا لا يعني غياب جهود في هذا الباب، ولكنها تحتاج لتنظيم وتخطيط، وأن تكون الثقافة من الأولويات في البرنامج الحكومي، وأيضا في مؤسسات الدولة. ووزارة الثقافة لها جهود محمودة، ولكنها غير كافية حتى الآن لضعف ميزانيتها. والمغرب معروف كبلد إنتاج ثقافي، ولكن بفضل تضحيات مثقفيه، وأن تكون الثقافة أولوية، هذا يحتاج لتضافر جميع الجهود.

ذات صلة